peptic ulcer disease
القرحة الهضمية

مقدمة - مرض القرحة الهضمية (PUD) هو مشكلة شائعة. سيتم مراجعة التاريخ الطبيعي ونظرة عامة على علاج مرض القرحة الهضمية هنا. يتم مناقشة القضايا المتعلقة بعلاج عدوى الملوية البوابية Helicobacter pylori وعلاج مضاعفات مرض القرحة الهضمية ودور الجراحة بشكل منفصل.
التاريخ الطبيعي - بيانات من ما قبل H. إن عصر مثبطات مضخة ما قبل البروتون (PPI) توفر أهمية لإلقاء نظرة على التاريخ الطبيعي لـ PUD. القرحة الهضمية غير المعالجة لها تاريخ طبيعي متغير على نطاق واسع . يشفى البعض تلقائيًا ، لكنه يتكرر في غضون أشهر أو أحيانًا في غضون عام أو عامين. وصف تقرير توضيحي المرضى الذين تمت متابعتهم لمدة 12 شهرًا بعد الشفاء الموثق لقرحة الاثني عشر. حدث الانتكاس في 74 في المئة من الحالات. 33 في المئة لديهم تكرار واحد ، و 24 في المئة تكراران ، و 17 في المئة عانوا ثلاث مرات أو أكثر . وأكدت تقارير أخرى معدل تكرار 50 إلى 80 في المائة خلال 6 إلى 12 شهرًا بعد شفاء القرحة الأولية ، على الرغم من أن الانتكاسات ليست دائمًا أعراض .
تتسبب القرح الأخرى في مضاعفات أو تظل صامدة بالرغم من العلاج المضاد للإفراز. يميل تاريخ القرحة السابق للمريض إلى التنبؤ بالسلوك المستقبلي ؛ أولئك الذين لديهم تاريخ من المضاعفات لديهم خطر متزايد من المضاعفات المستقبلية. من المرجح أن تتكرر القرحة التي تستغرق وقتًا أطول للشفاء في البداية ، ومن المرجح أن تستمر القرحات التي تتكرر كثيرًا في القيام بذلك ، ما لم تتم إزالة السبب الأساسي (مثل H. pylori أو مضادات الالتهاب غير الستيرويدية [NSAIDs]). من المرجح أن ترتبط مدة طويلة من الأعراض قبل التقديم باستجابة ضعيفة للعلاج الطبي.
قد يكون لقرحات الغشاء البعيدة ، وخاصة قرح البواب (ضمن 2 إلى 3 سم من البواب) ، نمطًا مختلفًا للشفاء من القرح عند القُرب أو بالقرب منه بسبب مستويات مختلفة من إفراز الحمض وتوزيع التهاب المعدة . لم تحلل العديد من الدراسات قرح المعدة حسب الموقع ، وتتعارض البيانات المتاحة. ومع ذلك ، يبدو أن القرحة ما قبل البواب تلتئم ببطء وقد تكون أكثر عرضة للظهور .
القرحة هي تلف موضع في جدار الجزء العلوي من أنبوب الهضم يتناول الطبقة المخاطية والطبقة تحت المخاطية من الجدار وينجم عن الفعل الهاضم لعصارة المعدة الحاوية على حمض (كلوريدريك والببسين).
تقدر قرحة العفج بنحو 80% من مجموع القرحات الهضمية في الإحصاءات الغربية، وهي أكثر الأمراض العضوية الهضمية شيوعاً، إلا أن نسبة مهمة منها تبقى من دون أعراض. وتتوضع قرحة العفج في السنتمرات الثلاثة الأولى منه أي في البصلة، وتبدو على شكل تآكل مدور أو بيضوي تستره فتحة التهابية بيضاء أو مصفرة، وقد تكون القرحة متطاولة أو غير منتظمة.
الصورة (1) أ - صورة تبين قرحة حميدة كبيرة متوضعة في جسم المعدة ب - صورة تبين قرحة عميقة واسعة متوضعة في بصلة العفج ج - صورة مأخوذة في أثناء التنظير الداخلي تظهر قرحة حميدة في المعدة |
يراوح قطر القرحة بين بضعة ملمترات وبضعة سنتمرات على نحو تشمل الجدار الأمامي أو الخلفي للبصلة بكامله، لكن الغالبية العظمى من القرحات لا يتجاوز قطرها 10ملم. وقد تكون قرحة البصلة مزدوجة تتوضع على الجدارين الأمامي والخلفي للبصلة، أو أنها تترافق بقرحة في المعدة. تتوضع القرحة الهضمية في أحوال نادرة من القطعة الثانية في العفج وتدعى حينئذٍ القرحة بعد البصلة post-bulbar، كما أنها يمكن أن تتوضع في أي جزء من الأنبوب الهضمي عندما يتعرض لفعل حمض (كلوريدريك والببسين) كما هي الحال في قرحة المريء الهضمية عند المصابين بالجزر المعدي المريئي، وقرحة القسم القاصي من الدقاق عند المصابين «برتج ميكل» بسبب تعرض هذا القسم لحمض كلوريدريك الذي تفرزه مخاطية الرتج. أما قرحة المعدة التي تقدر بنحو عشرين بالمئة من مجموع القرحات الهضمية فتتوضع في أي مكان منها إلا أن الغالبية العظمى تتوضع على الانحناء الصغير من غار المعدة قريباً من ثلمته incisura (الصورة 1).
تشير الدراسات الأجنبية إلى أن انتشار prevalence القرحة الهضمية على مدى الحياة يبلغ نحو عشرة بالمئة، أي إن عشرة بالمئة من مجموع السكان يصابون في مرحلة ما من حياتهم بالقرحة الهضمية، وترجح الإصابة عند الذكور، أما انتشار القرحة الهضمية في نقطة معينة من الزمن فيبلغ واحداً بالمئة وسطياً، إلا أنه بلغ 2.5% في إحدى الدراسات التي أجريت في اليابان وشملت عشرة آلاف شخص. أما وقوعات incidenceالقرحة السنوية ويقصد بها الحالات الجديدة من القرحة الهضمية التي تحدث خلال عام واحد فتراوح بين 0.1-0.3 بالمئة.
تشير الدراسات الإحصائية إلى أن وقوعات القرحات الهضمية في أوربا والولايات المتحدة بدأت بالتراجع بدءاً من ستينات القرن الماضي، كما أن رجحان القرحة عند الذكور يميل للتراجع ويعزى ذلك في أحد جوانبه إلى التبدلات الحاصلة في عادة التدخين وإلى التحسن في مستوى التصحح (حفظ الصحة) hygiene والتصحاح sanitation في تلك الدول وما نجم عن ذلك من تراجع انتشار الخمج بالملويات البوابية التي لها دور مهم في أمراض القرحة الهضمية.
يختلف انتشار القرحة الهضمية من منطقة جغرافية لأخرى، فهي أكثر شيوعاً في شمالي بريطانيا من جنوبها، كما أن انتشار القرحة المعدية في اليابان يزيد كثيراً عما هو عليه في البلدان الأخرى، وقد عزا بعضهم هذه الاختلافات إلى التباين الحاصل في انتشار الخمج بالملويات البوابية، إلا أن هذه العلاقة لا تصح في جميع المناطق؛ مما يدل على وجود عوامل أخرى مسؤولة عن هذه الاختلافات الجغرافية في انتشار القرحة.
الفيزيولوجية المرضية
«لا قرحة من دون حمض» هذه المقولة التي أطلقها «شوارتز» Schwartz في مطلع القرن الماضي ماتزال صحيحة حتى اليوم، فالقرحة الهضمية التي هي تلف موضع في جدار الأنبوب الهضمي ناجم عن فعل حمض كلوريدريك والببسين لا تحدث في الحالات السوية بسبب وسائل دفاعية متعددة تحمي المخاطية من الفعل الهاضم لعصارة المعدة، إضافة إلى عدد من الآليات التي تقوم بإصلاح الأذى الذي قد يحصل في المخاطية فور حدوثه وتمنع الأذية التشريجية من التفاقم والوصول إلى مرحلة التقرح. يوجد إذاً في الحالات السوية توازن بين العوامل المؤذية لجدار الأنبوب الهضمي المتمثلة في حمض كلوريدريك والببسين وبين الوسائل الدفاعية التي تمتلكها العضوية وتقاوم بوساطتها التأثير الهاضم لهذه المواد، فإذا اختل هذا التوازن بسبب ازدياد فعالية العوامل المؤذية أو تراجعت فعالية الوسائل الدفاعية تشكلت القرحة في أحد أجزاء الأنبوب الهضمي ولاسيما في المعدة والعفج. تختلف طبيعة الخلل الحاصل في التوازن الفيزيولوجي القائم من شخص لآخر، كما أن هذا الخلل قد يكون متعدد الجوانب، إلا أن النتيجة النهائية واحدة في جميع الأحوال وهي التقرح الهضمي. وفيما يلي الاضطرابات التي قد تخل بالتوازن الطبيعي القائم بين هذه العوامل المتعددة عند المصابين بالقرحة الهضمية:
1- اضطرابات إفراز الحمض والبببسين:
- إن وجود حمض كلوريدريك أمر ضروري لحدوث القرحة الهضمية ومن النادر جداً وجود تقرح هضمي في غياب هذا الحمض ويوحي ذلك عند حدوثه بوجود سبب مستبطن للتقرح كالسرطان أو الآفات الارتشاحية في الجدار.
يشاهد عند مرضى القرحة الهضمية اضطرابات متعددة في إفراز الحمض تأخذ منحى واحداً هو زيادة الإفراز منها: ارتفاع النتاج الحامض الأقصى (MAO) maxmnum acid output وزيادة إفراز الحامض الليلي، وتعزو الأبحاث الحديثة هذه الاضطرابات الإفرازية إلى الخمج بالملويات البوابية إذ إن القضاء على هذا الخمج كثيراً ما يؤدي إلى تراجع هذه الاضطرابات.
أما في قرحات المعدة فإن الخلل الحاصل في إفراز الحمض يختلف باختلاف مكان توضع القرحة. تقرحات القسم الداني من المعدة تترافق بنقص إفراز حمض كلوريديك وربما نجم ذلك عن امتداد التهاب الغار المرافق إلى جسم المعدة وهو الجزء المفرز للحمض من المعدة. أما قرحات القسم الداني من المعدة المترافقة بقرحة العفج فإن إفراز الحمض فيها يكون سوياً أو أنه يزداد عما هو عليه عند الأصحاء وينطبق الأمر نفسه على قرحات القسم القاصي من المعدة.
- للببسين دور مهم في إحداث القرحة الهضمية، إذ من المؤكد أن الفعل المقرح لحمض الكلوريدريك يزداد كثيراً بوجود الببسين. تفرز الخلايا الأساسية chief cell طلائع الببسين التي تتقلب إلى أنزيم فعال بوجود تركيز عالٍ من حمض كلوريدريك مما يعطي العصارة المعدية خواصها الحالة للبروتين.
2- الخلل في وسائل دفاع المخاطية وفي قدرتها على الترمم: يمكن القول عموماً إن إفراز الحمض المعدي يكون ناقصاً أو سوياً عند المصابين بقرحة المعدة، كما أن قسماً من المصابين بقرحة العفج يكون إفراز الحمض لديهم سوياً، ويعزى حدوث القرحة عند هؤلاء وأولئك إلى خلل في وسائل دفاع المخاطية وفي قدرتها على ترميم الأذيات التي تحصل فيها نتيجة تعرضها لفعل الحمض والببسين.
أ- تملك المخاطية الوسائل الدفاعية التالية:
- إفراز المخاط: تفرز الخلايا الظهارية للمعدة والعفج المخاط الذي يشكل طبقة هلامية متمادية تلتصق بالمخاطية، تقلل هذه الطبقة الأذيات الميكانيكية التي تتعرض لها المخاطية وتعوق انتشار الببسين وشوارد الهيدروجين إلى سطح الخلايا الظهارية، وتثبت المجال الباهائي pH الكائن بين الخلايا الظهارية ولمعة المعدة. تتغير الصفات الفيزيائية للمخاط عند المصابين بالقرحة إذ تقل لزوجته كما أن كره الماء الذي تتميز به طبقة المخاط يتراجع كثيراً عندهم مما يقلل من قدرته على منع الببسين وشوارد الهيدروجين من النفوذ والوصول إلى الخلايا الظهارية. ويعتقد بعضهم أن الخمج بالملويات البوابية هو السبب في تبدل الخواص الفيزيائية للمخاط مما يؤهب لحدوث التقرحات الهضمية.
- إفراز (البيكاربونات): تفرز الخلايا الظهارية للمعدة والعفج البيكاربونات في داخل طبقة المخاط التي تبطن الغشاء المخاطي للمعدة والعفج وتقوم بتعديل شوارد الهيدروجين H2 التي تسربت من لمعة المعدة إلى هذه الطبقة مما يخلق مجالاً باهائياً بين اللمعة المعدية شديدة الحموضة وبين سطح الخلايا الظهارية. يحرض البروستاغلاندين E إفراز المخاط والبيكاربونات مما يعلل تأثيره الواقي للغشاء المخاطي المعدي العفجي.
- التروية الدموية: إن ضمان التروية الدموية الكافية للمخاطية أمر ضروري للحفاظ على سلامتها. ومن الدلائل على ذلك عند الإنسان القرحات المعدية العفجية التي تحدث عند المصابين بقصور الدوران المساريقي والتي تعند على المعالجة الدوائية لكنها تشفى بعد توسيع الشريان المساريقي (بالبالون).
ب- ترميم الأذيات المخاطية: يتم إصلاح الأذى الذي يصيب المخاطية المعدية العفجية بوسائل متعددة أهمها:
- الإعادة (الترميم) restitution: وهي حدثية يتم بوساطتها إغلاق الفجوات التي تحدث في الظهارة المعدية العفجية بسرعة عن طريق الخلايا المجاورة التي تمتد تدريجياً فوق الغشاء القاعدي المعدي مما يساعد على إغلاق هذه الفجوات بسرعة.
- تسارع التكاثر الخلوي الذي يسهم بدوره في إصلاح الأذى الذي لحق بالخلايا الظهارية.
إذا تغلبت العوامل المؤذية على وسائل الدفاع والترميم آنفة الذكر تخرب الغشاء القاعدي وحدث تلف حاد أو تقرح في المخاطية الذي يتجه نحو الشفاء بفعل الآليات المألوفة في شفاء الجروح. أما إذا أخفقت هذه الآليات في تحقيق ذلك دخل التقرح الحاد مرحلة الإزمان وانقلب إلى قرحة مزمنة.
الأسباب
الشكل (2) رسم يبين ذات الصلة بتشكل الداء القرحي والنسب المذكورة تقريبية وهي مأخوذة من دراسات أجريت في الدول الغربية |
تشير الدراسات الحديثة إلى أن هناك نوعين شائعين من القرحة الهضمية، يترافق النوع الأول بوجود خمج بالملويات البوابية ويترافق الشكل الثاني باستعمال مضادات الالتهاب غير الستروئيدية (م ا غ س) ومنها الاسبيرين.
يختل في كلا هذين الشكلين التوازن القائم بين العوامل المؤذية للمخاطية ووسائل دفاعها ينتهي بحدوث التقرح. أما الأشكال غير الشائعة من القرحة فيعزى معظمها إلى فرط إفراز الحمض المعدي (الشكل 2).
1- القرحة المترافقة بخمج بالملويات البوابية:
الملويات البوابية جراثيم سلبية الغرام ذات شكل لولبي، أليفة للهواء القليل micro aerophilic مجهزة بسياط في إحدى نهايتيها. تنتشر هذه الجراثيم في جميع أنحاء العالم ويقدر أن أكثر من نصف سكان الكرة الأرضية مصابون بهذا الخمج، ويبدو أن لذلك علاقة بالمستوى الاقتصادي والاجتماعي للسكان؛ إذ إن انتشار الخمج في البلدان النامية يتناسب عكساً مع ارتفاع المستوى الاقتصادي والاجتماعي للأفراد. يحدث الخمج في البلدان النامية في مرحلة مبكرة من العمر ويزداد الانتشار مع تقدم العمر إلى أن تشمل الإصابة الغالبية العظمى من الكهول. أما في البلدان الصناعية فإن أكثر من خمسين بالمئة من سكانها الذين تجاوزا الستين من العمر مصابون بهذا الخمج. يزداد انتشار الخمج أيضاً في التجمعات السكانية المزدحمة كالمؤسسات الصحية مما يشير إلى أن انتقال الخمج يتم مباشرة من شخص لآخر، ومن المرجح حدوث ذلك عن الطريق الشرجي الفموي، كما يؤكد أهمية معايير التصحح والتصحاح في الحد من انتشار هذا الخمج.
تتوضع الملويات في الطلاء المخاطي الذي يبطن المعدة ولاسيما من ناحية الغار إلا أن بعضاً منها قد يغزو المخاطية، تفرز هذه الجرثومة أنزيم (اليورياز) unease الذي يحفّز انشطار اليورية وينجم عن ذلك تشكل الأمونيا القلوية التي تحيط بالجرثوم وتقيه من التأثير المؤذي للحمض المعدي.
تصاب المعدة المخموجة بهذا الجرثوم بالالتهاب المزمن الذي يمتد عدة عقود وقد ينتهي أحياناً بحدوث ضمور المعدة والحؤول المعدي الذي يؤهب للإصابة بالسرطان.
بينت الدراسات العديدة وجود علاقة بين الخمج بالملويات والقرحة الهضمية، ففي الولايات المتحدة يشاهد الخمج بالملويات عند 80% من المصابين بقرحة العفج وعند حوالي 60% من المصابين بقرحة المعدة، وقد أكدت هذه الدراسات أن القضاء على الخمج بالملويات يؤدي إلى زوال الالتهاب المعدي وشفاء القرحة، كما أنه يخفض معدل نكس القرحة إلى أقل من عشرة بالمئة كل عام.
يتضح من ذلك أن للملويات دوراً مهماً في إمراض pathogenesis القرحة الهضمية ويتم ذلك عن طريق التهاب المعدة المزمن الذي تسببه، إلا أن ما يلفت النظر هو أنه على الرغم من الانتشار الواسع للخمج بهذا الجرثوم فإن نسبة المصابين بالقرحة لا تتعدى جزءاً صغيراً منهم مما يدل على وجود عوامل أخرى غير الخمج ذات دور مهم في حدوث القرحة منها عوامل بيئية وأخرى تتعلق بالمضيف إلى جانب عوامل خاصة بالجرثوم نفسه. فقد تبيّن أن بعض ذراري الملوية البوابية تفرز بروتيناً يدعى المستضد السام للخلايا cytotoxic-associated antigen (CagA) وأن الإصابة بهذا النمط من الذراري يسبب التهاباً شديداً في مخاطية المعدة بالمقارنة مع الذراري التي لا تفرز هذا البروتين، كما اتضح أن زيادة شدة الالتهاب المعدي تزيد من خطر الإصابة بالقرحة. وقد تم أخيراً تعرف بروتينات جرثومية أخرى تزيد عند حدوثها شدة الالتهاب المعدي وخطر الإصابة بالقرحة.
تشخيص الخمج بالملويات: هناك عدة طرق لتشخيص الخمج بالملويات يمكن تقسيمها إلى فئتين:
1- الطرق الباضعة التي تحتاج إلى أخذ خزعة من المعدة: تؤخذ الخزعة في أثناء التنظير الداخلي من ناحية غار المعدة وجسمها، إلا أنه يمكن الحصول على خزعات مناسبة في الوقت الحاضر، من دون إجراء التنظير، وذلك عن طريق الأنبوب الأنفي المعدي أو أنبوب الخزعات المعوية. ترسل الخزعة للفحص النسيجي الذي يكشف وجود الجراثيم بأعداد كبيرة في أكثر الحالات. يمكن تشخيص الخمج بسرعة بتطبيق اختبار اليورياز على الخزعة التي توضع فوق صفيحة خاصة مغطاة بطبقة من وسط غني باليورية، ففي حالة وجود الملويات تتقلب اليورية إلى أمونيا وثاني أكسيد الكربون بفعل أنزيم اليورياز الذي تفرزه الجراثيم مما يؤدي إلى تبدل لون الوسط الذي يكشف عيانياً.
2- الطرق غير الباضعة non-invasive لاتحتاج هذه الاختبارات إلى أخذ خزعة من المعدة وتشمل:
ـــ الاختبار المصلي: الذي يعتمد على كشف أضداد الملويات من صنف IgG في مصل الدم، تعادل هذه الطريقة في حساسيتها ونوعيتها الاختبارات المعتمدة على الخزعة، وقد طورت على نحو أصبح بالإمكان إجراؤها في عيادة الطبيب، إلا أنه لا يمكن استخدام هذه الطريقة للتأكد من نجاح المعالجة.
ـــ اختبار النَفَس باليورية urea-breath test: يستخدم لهذه الغاية اليورية المعلمة بالكربون C13 أو C14 التي تؤخذ عن طريق الفم. إذا احتوت المعدة على أنزيم اليورياز الذي تفرزه الملويات تفككت اليورية وانطلق ثاني أكسيد الكربون المعلم الذي ينتقل إلى الدوران ومن ثم يطرح مع هواء الزفير حيث يمكن كشفه. يفيد هذا الاختبار أيضاً في تقييم مدى نجاح المعالجة في القضاء على الخمج.
ـــ كشف مستضد الملويات البوابية في البراز وتعادل حساسية هذه الطريقة ونوعيتها ما هي عليه في الفحص النسيجي للخزعة أو في اختبار النَفَس.
2- القرحة التالية لاستعمال مضادات الالتهاب غير الستروئيدية (م ا غ س):
يمكن تقسيم الآفات التي تسببها م ا غ س في المخاطية المعدية العفجية إلى قسمين:
ـــ الآفات السطحية التي تتجلى على شكل نزوف نمشية أو سحجات (تآكلات) وتصادف عند نحو 50% من المرضى.
ـــ القرحات التي تكون غير مؤلمة في أكثر الحالات وتكشف عن طريق التنظير الداخلي وتتصف في هذه الحالات بصغرها وقلة عمقها (القرحة اللاعرضية)، إلا أنها قد تتظاهر بالألم الوصفي أو أحد المضاعفات القرحية، وتتميز في هذه الحالة بأنها أكبر حجماً وأكثر عمقاً. تحدث القرحات عند 15-45% من المرضى بعد الاستعمال المديد لـ م ا غ س.
الفيزيولوجية المرضية للقرحات الدوائية: تؤثر مضادات الالتهاب غير الستروئيدية عن طريقين مختلفين:
أ- الطريق الموضعي: وهو ما يحدث عندما تؤخذ م ا غ س عن طريق الفم وتظهر الأذيات الناجمة عن ذلك خلال دقائق بعد تناول هذه الأدوية على شكل نزوف نمشية أو سحجات.
ب- التأثير بالطريق العام (الجهازي): الذي يؤدي إلى حدوث قرحات صريحة تخترق العضلة المخاطية. يحدث التقرح عند أخذ الدواء عن الطريق العام (حقن دوائية أو تحاميل) أو على شكل غليفات enteric-coated من دون أن يترافق بآفات سطحية في المخاطية كالتي أشير إليها من قبل. يعتقد أن التأثير الجهازي systemic لـ م ا غ س في إحداث القرحة يتم عن طريق تثبيطها أنزيم (سيكلوأوكسي جيناز) (COX) cyclooxygenase اللازم لإنشاء (البروستاغلاندينات). للبروستاغلاندين دور مهم في حدوث العلامات الالتهابية في مختلف أنحاء الجسم وفي وقاية المخاطية المعدية من الأذى؛ إذ إنه يتواسط في إفراز المخاط والبيكاربونات ويزيد الجريان الدموي في المخاطية المعدية المعوية. تثبط م ا غ س أنزيم COX وتخفض بالتالي إنتاج البروستاغلاندين مما يؤدي إلى تراجع العلامات الالتهابية في الجسم من جهة وإلى تراجع تأثيرها الواقي للمخاطية المعدية العفجية من جهة أخرى. وقد بينت الأبحاث أن هناك نمطين من أنزيم COX هما cox-1 الذي يوجد في جميع أنسجة الجسم ومنها المعدة، وcox-2 الذي يؤدي الدور الرئيسي في ظهور العلامات الالتهابية ويوجد بمقادير قليلة في المعدة. استناداً إلى هذه الخواص عمدت الصناعة الدوائية إلى إنشاء م ا غ س نوعية تثبط تثبيطاً رئيسياً أنزيم cox-2 مما يحفظ لهذه الأدوية خواصها المضادة للالتهاب من دون أن يخل بتأثير البروستاغلاندين الواقي للمخاطية المعدية العفجية.
عوامل الخطورة في حدوث القرحات الدوائية (م ا غ س): على الرغم من شيوع استعمال م ا غ س فإنه قلّ أن يبدي مستعملوها أعراض القرحة أو تحدث لديهم مضاعفاتها؛ لذلك كان من المهم معرفة العوامل التي تزيد من خطر الإصابة بالقرحة ومضاعفاتها عند مستعملي هذه الأدوية حتى يمكن اتخاذ التدابير الوقائية لديهم. وأهم عوامل الخطورة هي:
ـــ العمر فقد تبين أن خطر الإصابة بالقرحة الدوائية يزداد مع تقدم العمر.
ـــ مدة الاستعمال: قد تظهر القرحة التنظيرية (اللاعرضية) بعد بضعة أيام من استعمال م ا غ س إلا أن الخطر يزداد مع الاستمرار في العلاج.
ـــ مقدار الجرعة: يزداد خطر الإصابة بالقرحة الدوائية ومضاعفاتها مع ازدياد الجرعة المأخوذة، إلا أن احتمال حدوث الإصابة يبقى قائماً ولو كانت المقادير المأخوذة منخفضة. ويزداد خطر الإصابة أيضاً عند تناول أكثر من دواء واحد مضاد للالتهاب، ومنها الاسبيرين، في آن واحد، أو أخذها بالاشتراك مع أحد الستروئيدات القشرية أو مضادات التخثر.
الأسباب غير الشائعة للقرحة الهضمية
يؤدي الإفراط في إفراز حمض كلوريدريك إلى إخلال التوازن القائم بين التأثير الهاضم للحمض والببسين من جهة وبين دفاعات المخاطية الهضمية من جهة أخرى ويعرض لحدوث القرحة الهضمية. وأهم الحالات المرضية التي يحدث فيها هذا الخلل هي الأورام الغاسترينية (داء زولنجر- أليسون) وداء كثرة الخلايا البدينة mastocytosis وكثرة الخلايا الأسسة basophilia التي تشاهد في بعض أمراض الدم الخبيثة.
العوامل التي تزيد في خطر الإصابة بالقرحة الهضمية
- التدخين: هناك عدد من البينات التي تدعم وجود علاقة بين التدخين والقرحة الهضمية، فقد دلت الدراسات الوبائية أن المدخنين أكثر عرضة للإصابة بالقرحة الهضمية، كما يقر معظم المؤلفين أن التدخين يعوق شفاء القرحة ويسرع نكسها ويزيد من حدوث المضاعفات القرحية.
أما آلية تأثير التدخين في حدوث المرض القرحي وتطوره فقد عزيت إلى التبدلات التي يحدثها في إفراز الحمض والببسين والبيكاربونات من الظهارة المعدية المعوية.
- الكرب stress: تشير كثير من الدراسات إلى أن سورات المرض القرحي كثيراً ما تحدث بعد التعرض لأحداث الحياة المكربة stressful كالخسارة المادية أو مرض أحد أفراد العائلة أو التعطل عن العمل، إلا أنه لا توجد بينات على أن الكروب وحدها كافية لإحداث الإصابة القرحية. وقد سبق القول إن الخمج بالملويات البوابية وتناول م ا غ س هما سببان رئيسيان ولكنهما غير كافيين للإصابة بالقرحة إذ إن أكثر الأشخاص المعرضين لهذه الحالات لا يصابون بالقرحة، ولابد من عوامل أخرى تساعد على إحداث المرض القرحي عند بعضهم وقد يكون الكرب أحد هذه العوامل المساعدة.
ـــ الأمراض المرافقة: لاحظ الأطباء من زمن طويل ارتفاع معدل الإصابة بالقرحة الهضمية عند بعض المرضى ولاسيما المصابين منهم بأمراض الرئة المزمنة أو تشمع الكبد أو القصور الكلوي كما لوحظ ارتفاع معدل الإصابة بالقرحة بعد زرع الكلية.
الأعراض والعلامات
1- الألم: هو العرض الرئيسي للقرحة الهضمية وكثيراً ما يكون العرض الوحيد.
يتوضع الألم في الشرسوف عادة ولكن قد يشعر به أحياناً في المراق اليمنى أو اليسرى، وقد يتمركز في بقعة محددة يشير إليها المريض بإصبعه (الألم الإصبعي). والألم القرحي ألم ثابت كليل يصفه أكثر المرضى «بالفرك» أو «المرت» أو يشبهونه بألم الجوع أو الألم الحارق، وقد ينتشر الألم إلى الظهر ولاسيما في القرحة النافذة إلى المعثكلة. الصفتان الرئيستان اللتان تميزان الألم القرحي النموذجي هما:
ـــ العلاقة الخاصة مع الطعام إذ إن الألم يحدث بعد 1-3 ساعات من الوجبة الطعامية ويزول بتناول الطعام من جديد أو تناول القلويات، وقد يحدث الألم في ساعات الصباح الأولى فيوقظ المريض من النوم إلا أنه لا يوجد صباحاً على الريق.
ـــ الدورية: يأتي الألم القرحي على شكل هجمات تستمر الواحدة منها عدة أسابيع وتزول من نفسها عدة أشهر أو أكثر.
إلا أن الألم القرحي قد يكون في كثير من الحالات غير نموذجي من حيث التوضع أو العلاقة مع الطعام، وقد يفقد الألم تماماً في القرحة الهضمية ويتظاهر المرض القرحي للمرة الأولى بأحد المضاعفات الخطيرة كالنزف أو الانثقاب، ويبدو أن غياب الألم القرحي أكثر شيوعاً عند الشيوخ وعند الذين يتناولون م ا غ س. ويشاهد هذا الافتراق بين القرحة والألم أيضاً عند المرضى العرضيين فقد تبين لدى تنظير المصابين بالقرحة بعد زوال الألم بالعلاج أن القرحة ما تزال موجودة عند 15-44% منهم، وبالمقابل استمر الألم عند المرضى بعد شفاء القرحة المثبت تنظيرياً في 4-39% من الحالات، وهكذا فإن زوال الألم لا يعني دوماً شفاء القرحة، كما أن استمراره لا يعني بقاء الفوهة القرحية.
2- اللذع أو حرقة الفؤاد pyrosis: عرض شائع يصادف في كثير من الحالات وقد يترافق بقلس العصارة المعدية الحامضة ويشير عادةً إلى إصابة مرافقة بالجزر المعدي المريئي.
3- الغثيان والقياء: عرضان قليلا الحدوث في القرحة غير المتضاعفة، ولكنهما قد يكونان عرضين بارزين في قرحة البواب بسبب تأثيرها في عمل المضخة الغارية البوابية.
4- يندر أن يشكو المرضى من القهم ونقص الوزن وهما أكثر حدوثاً في قرحات المعدة.
أما الفحص الفيزيائي فكثيراً ما يكشف إيلاماً موضعاً في الشرسوف أو إلى أيمن الخط المتوسط إلا أنه قد يكون سلبياً تماماً.
التشخيص
إن الألم الشرسوفي الذي يزول بتناول الطعام أو القلويات ويتردد تردداً دورياً هو المعيار الرئيسي لتشخيص القرحة الهضمية، ويتأكد التشخيص بكشف الفوهة القرحية بالتنظير الداخلي أو بالتصوير الشعاعي للمعدة والعفج.
تراجعت أهمية التصوير الشعاعي في التشخيص بعد قدوم التنظير الداخلي بسبب كونه أكثر حساسية إضافة إلى كونه يظهر الآفات السطحية في مخاطية المعدة كالالتهابات والسحجات والنزوف النمشية التي قد تكون السبب في الأعراض التي يشكو منها المريض ولا يكشفها التصوير الشعاعي عادة. ومن ميزات التنظير الداخلي أنه يسمح بأخذ خزعات من الآفات المشتبهة وفحصها نسجياً للتأكد من التشخيص.
يعتمد تشخيص القرحة العفجية شعاعياً على رؤية الفوهة القرحية التي تتوضع غالباً في البصلة وتبدو على شكل تجمع كثيف من الباريوم مدور الشكل أو بيضوي تحيط به هالة أقل كثافة ناجمة عن الوذمة المحيطة بالقرحة، وكثيراً ما يرافق الفوهةَ القرحيةَ تشوهٌ في البصلة ناجم عن التشنج أو الوذمة أو التليف الذي يكون أكثر شدة كلما كانت القرحة أكثر قدماً.
أما قرحة المعدة الحميدة فيمكن أن تتوضع في أي مكان من هذا العضو، إلا أنها أكثر مصادفة على الانحناء الصغير قريباً من الثلمة incisura. يجب تفريق قرحات المعدة الحميدة عن تلك الناجمة عن آفة خبيثة فيها. تشير بعض العلامات الشعاعية إلى سلامة القرحة المعدية وتساعد على تمييزها من القرحة الخبيثة، إلا أن هذه العلامات على أهميتها لايمكن أن تؤكد تأكيداً جازماً سلامة القرحة ويصبح التنظير الداخلي وأخذ الخزعات للفحص النسيجي أمراً واجباً في كل مرة يكشف فيها الفحص الشعاعي وجود قرحة في المعدة.
يعد التنظير الداخلي بالمنظار الليفي طريقة حساسة وآمنة لتشخيص القرحات الهضمية مما دعا لانتشارها على نطاق واسع، ويعتقد أن باستطاعة الطبيب المتمرس بهذه التقنية كشف 95% من الآفات الهضمية التي يكشفها التداخل الجراحي. تظهر القرحة في أثناء التنظير على شكل تلف في جدار المعدة أو العفج دائري الشكل أو بيضوي منتظم الحواف ذي قاعدة ملساء تسترها غالباً نتحة التهابية. يجب تمييز قرحات المعدة الحميدة من القرحات الخبيثة (الورمية)، ومما يوحي بخباثة القرحة وقوعها فوق كتلة متبارزة في لمعة المعدة وعدم انتظام محيطها ونتوء حوافها، إلا أن كل هذه العلامات الدالة على الخبث قد تكون مفقودة؛ لذلك يجب دوماً أخذ خزعات لا يقل عددها عن ستة من حواف القرحة وخزعة من قاعدتها وفحصها نسجياً للتأكد من طبيعتها. يكشف الفحص النسيجي الخباثة في أكثر من 95% من الحالات، وإذا أضيف إليه الفحص الخلوي للكشاطة المأخوذة من الآفة بوساطة الفرشاة تجاوزت النسبة 98%.

التشخيص التفريقي
تلتبس القرحة الهضمية بالعديد من الآفات التي تتظاهر بآلام بطنية علوية ومن أهم هذه الآفات:
1- عسر الهضم قرحي الشكل dyspepsia ulcer-like: يشكو كثير من المرضى من أعراض قرحية نموذجية في الوقت الذي لا يكشف فيه التنظير الداخلي وجود قرحة لديهم، وقد يكشف التنظير عند قسم من هؤلاء المرضى وجود التهاب في العفج يبدو على شكل نزوف نمشية أو سحجات فيه ويترافق في معظم الحالات بالتهاب الغار المعدي. تشير بعض الدراسات إلى أن نصف المصابين بالتهاب العفج سيصابون بالقرحة الهضمية في وقت لاحق.
2- عسر الهضم دوائي المنشأ: وأكثر الأدوية التي تسبب عسر الهضم في م ا غ س، ومنها (الديجيتال والأمينوفيلين). تتحسن الأعراض عادة بعد إنقاص الجرعة الدوائية أو إيقاف الدواء.
3- سرطانة المعدة: قد يأخذ الألم في سرطانة المعدة صفات الألم القرحي ولاسيما إذا تقرحت الكتلة الورمية، أي إنه يزول بتناول الطعام أو القلويات ويعاود بعد فراغ المعدة. يجب اللجوء إلى الفحص الشعاعي والتنظيري لتمييز هذه الحالات من القرحة الحميدة.
4- عسر الهضم حركي المنشأ [ر. عسر الهضم].
5- قد تلتبس الآلام قرحية المنشأ في بعض الحالات بالآلام المعثكلية أو آلام المرارة.
1- القرحة بعد البصلة post-bulbar ulcer: تتوضع قرحة العفج في السنتمرات الثلاثة الأولى بعد البواب أي في البصلة، وما توضع منها بعد هذه المسافة دعي القرحة بعد البصلة. توحي القرحات بعد البصلة بإصابة المريض بالورم (الغاستريني) gastrinoma. تتصف القرحات بعد البصلة بعنادها على المعالجة وكثرة تعرضها للمضاعفات كالنزف والانسداد.
2- القرحة العرطلة: يراوح قطر القرحة الهضمية في معظم الحالات بين 1-2سم فإذا تجاوز قطرها هذا الحد عدت قرحة عرطلة، تتوضع قرحة العفج العرطلة على الوجه الخلفي للبصلة عادة، وكثيراً ما تتضاعف بالنزف والنفاذ penetration.
3- القرحة متعددة البؤر: وهو ما يرى في 2-20% من الحالات ويشير ذلك إلى شدة الأهبة القرحية عند المصاب.
التطور الطبيعي للقرحة: تشفى القرحة الهضمية الحميدة في أكثر الحالات عفوياً بعد عدة أسابيع من بدء الأعراض، ويحدث الأمر نفسه بعد استعمال الدواء الغفل placebo إلا أن القرحة تنكس بعد 6-12 شهراً من شفائها في 50-80% من الحالات.
المعالجة
تهدف المعالجة الطبية إلى:
1- إعادة التوازن بين العوامل المؤذية للمخاطية وبين وسائل الدفاع عن طريق:
ـــ تقليل إفراز حمض كلوريدريك أو تعديل الحمض المفرز.
ـــ تعزيز وسائل دفاع المخاطية.
2- إزالة الأسباب التي أدت إلى إخلال هذا التوازن وأهمها:
ـــ الخمج بالملويات البوابية.
ـــ استعمال م ا غ س.
1- إعادة التوازن الفيزيولوجي:
أ- تقليل إفراز حمض كلوريدريك أو تعديله، ويتم ذلك بـ:
- إعطاء مضادات الحموضة anti-acid: يؤدي إعطاء جرعات من مضادات الحمض بمقادير قليلة تعادل قدرتها الدارئة 120مل مول أو أكثر إلى شفاء القرحة بنسبة تقارب تأثير ضادات المستقبلات H2، واتضح أن قدرتها الشافية لا تتماشى مع قدرتها على تعديل الحموضة؛ مما يدل على وجود آليات أخرى غير معروفة تتداخل في عملية الشفاء. وقد تراجع استعمال مضادات الحموضة بعد توافر أدوية أخرى أكثر فاعلية منها، إلا أنها ما تزال تستعمل لمعالجة أعراض عسر الهضم خاصة.
- مثبطات إفراز الحمض، وتتضمن هذه الفئة:
ـــ ضادات مستقبلات (الهيستامين :(H2 تعمل هذه الأدوية عن طريق إحصار مستقبلات الهيستامين H2 في الخلايا الجدارية مما يمنع فعل الهيستامين المحرض لإفراز الحمض. كان (السيمتدين) أول هذه الأدوية تلاه بعد ذلك (الرانيتيدين والفاموتيدين ثم النيزاتيدين) nizatidine. تتحسن الأعراض القرحية باستعمال هذه الأدوية خلال بضعة أيام وتزول تماماً بعد أسبوعين أو أكثر وقبل أن تندمل القرحة تماماً. ينصح بالاستمرار في معالجة القرحة العفجية مدة 4-6 أسابيع، أما في قرحة المعدة فيفضل الاستمرار في العلاج مدة 12 أسبوعاً لأن شفاءها أبطأ مما هو في قرحة العفج، وفي كل حال يجب التأكد من شفاء القرحة المعدية بالتنظير الداخلي لنفي الخباثة.
تعد ضادات مستقبلات الهيستامين H2 أدوية آمنة جداً وجيدة التحمل، وقد درست التأثيرات الجانبية للسيمتدين خاصة وتبين أنها قليلة جداً وأهمها التثدي والعنانة التي تحدث خصوصاً بعد الاستعمال المديد والجرعات العالية كما هي الحال في متلازمة «زولنجر- اليسون» وتندر جداً عند من يتناولون الجرعات العادية.
ـــ مثبطات مضخة البروتون (PPI) proton pump inhibitors: تعمل هذه الفئة من الأدوية عن طريق تثبيط عمل أنزيم H.K.ATpase الكائن في غشاء الخلايا الجدارية للمعدة والذي يقوم بعملية المبادلة بين شوارد البوتاسيوم في لمعة المعدة والهدروجين في الخلايا الجدارية وهي المرحلة الأخيرة من مراحل إفراز الحمض. يتميز هذا التثبيط بأنه غير عكوس مما يعلل التأثير المديد لهذه الأدوية الذي يتجاوز 24 ساعة، ويعود ذلك إلى أن الخلية الجدارية لاتستطيع العودة لإفراز الحمض من جديد إلا بعد إنشاء كمية جديدة من الأنزيم.
يتوافر حالياً خمسة أنواع من هذه الأدوية هي (الأوميبرازول) وهو أقدمها و(ايزومبرازول) rabeprazole, pantoprazole, lansoprazole, esomeprazole.
تصل فاعلية هذه الأدوية حدها الأقصى إذا كانت الخلية الجدارية بحالة تفعيل بوساطة الطعام لذلك يفضل إعطاؤها بجرعة يومية وحيدة قبل طعام الإفطار مباشرة. ليس لهذه الفئة من الأدوية تأثيرات سامة مباشرة لذلك يمكن استعمالها بحرية عند المصابين بقصور كلوي أو كبدي كما أن تأثيراتها الجانبية نادرة.
بينت الدراسات المقارنة أن نتائج معالجة القرحة الهضمية بمثبطات مضخة البروتون أفضل مما هي باستعمال ضادات المستقبلات H2 إذ بلغ معدل شفاء القرحة العفجية 100% باستعمال جرعة من الأوميبرازول مقدارها 40ملغ يومياً، كما تبين أيضاً أن مثبطات مضخة البروتون تفوق ضادات المستقبلات H2 في معالجة القرحات الهضمية والوقاية منها عند المرضى الذين يستمرون في تناول م ا غ س.
ب- تعزيز وسائل دفاع المخاطية:
- واقيات الجدار mucosa-protective agents
- (السوكرالفات) sucralfate: وهو مؤلف من عديد السكاكر مع هدروكسيد الألمنيوم. لا يؤثر هذا الدواء في إفراز الحمض والببسين ولا يعدل الحموضة المعدية، وإنما يعزى تأثيره الشافي للقرحة إلى كونه يلتصق بقاع القرحة ويمنع الحمض والببسين من الوصول إليها، إضافة إلى ذلك يحرض السوكرالفات إنتاج (البروستاغلاندين) كما يحرض تكون الأوعية angiogenesis ويرتبط بالحموض الصفراوية مما يمنع تأثيرها المؤذي للمخاطية. يعطى هذا الدواء بمقدار 1غرام قبل ساعة من الوجبات الطعامية الثلاث وقبل النوم. وهو دواء مأمون لا تعرف له تأثيرات جانبية. تشفى القرحة العفجية بعد 4-6 أسابيع من استعماله بنسبة تعادل ما يشاهد بعد استعمال ضادات مستقبلات الهيستامين H2.
- البزموت: يوجد في الوقت الحاضر نوعان من مستحضرات البزموت التي تستعمل في معالجة القرحة هما تحت سيترات البزموت الغروي (CBS) colloidal bismuth vsubcitrate وتحت ساليسيلات البزموت (B.S.S) bismuth subsalicylate. يرتبط البزموت بالمخاط المعدي ويشكل معه معقداً يغطي قاع القرحة مما يقيها من فعل الحمض والببسين، كما أن له تأثيراً مضاداً للملويات البوابية. يمتص البزموت بمقادير زهيدة جداً من الأنبوب الهضمي لذلك يندر جداً ظهور أعراض سمية بعد استعماله بالمقادير المعتادة.
- مضاهئات البروستاغلاندين E: يسهم البروستاغلاندين داخلي المنشأ في تنظيم تروية الغشاء المخاطي ويحرض إفراز المخاط والبيكاربونات وتكاثر الخلايا الظهارية ويزيد بذلك مقاومة المخاطية الهضمية، ويضاف إلى ذلك تأثيره المثبط لإفراز الحمض. وقد تبين أن تأثير م ا غ س المقّرح يتناسب مع قدرتها على تثبيط إنشاء البروستاغلاندين، لذلك استعملت مضاهئات البروستاغلاندين ولاسيما الميزوبروستول misoprostol وهو مضاهئ للبروستاغلاندين E1 في الوقاية من التأثير المقرح لهذه الأدوية. يعطى هذا الدواء بمقدار 400-800ملغ يومياً إلا أن التأثيرات الجانبية المتعددة له وأهمها الألم البطني والإسهال (30% من الحالات) تحد من استعماله وقد تدعو إلى إيقافه في 5% من الحالات.
2- معالجة الأسباب:
أ- معالجة الخمج بالملويات البوابية: تطورت خطة معالجة القرحة الهضمية بعد اكتشاف الملويات البوابية ومعرفة دورها في حدوث هذا الداء، فقد تبين أن القضاء على الملويات يشفي القرحة ويقي أيضاً من حدوث النكس.
يعد الخمج بالملويات السبب في حدوث القرحة العفجية في 90% من الحالات، ويتأكد وجود الخمج بالكشف عن أنزيم اليورياز في الخزعات المعدية المأخوذة في أثناء التنظير أو بإحدى الوسائل غير الباضعة التي ذكرت آنفاً. وقد تبين أن القضاء على الملويات البوابية يؤدي إلى شفاء القرحة من دون الحاجة إلى إشراكه بأدوية مثبطة للإفراز.
أما في القرحات المعدية فإن الخمج بالملويات يشاهد في 70% من الحالات، وتبين أن القضاء على هذا الخمج يؤدي أيضاً إلى شفاء القرحة ولا يختلف معدل الشفاء عما هو عليه عند استعمال الأدوية المثبطة للإفراز، ومع ذلك يفضل معظم الأطباء إضافة الأدوية المثبطة ولاسيما في القرحات الكبيرة (التي يبلغ قطرها 1.5سم أو أكثر) وفي القرحات المتضاعفة. وفي كل الحالات يجب مراقبة المريض تنظيرياً بعد انتهاء المعالجة للتأكد من شفاء القرحة ولاسيما عندما لاتزول الأعراض تماماً أو عندما يكون هناك شك بخبث القرحة. يقي القضاء على الملويات البوابية من حدوث النكس في القرحة العفجية والمعدية ولا يتطلب الأمر عندئذٍ إعطاء علاج مثبط للإفراز باستمرار للوقاية من النكس خلافاً لما كان شائعاً من قبل.
يتطلب القضاء على الملويات البوابية استعمال أكثر من صادة واحدة، كما تبين أن إضافة أحد مثبطات الإفراز ولاسيما مثبطات مضخة البروتون تزيد من فعالية الصادات المستعملة. يتفق معظم الأطباء في الوقت الحاضر على استعمال أحد الأنظمة التالية للعلاج:
- نظام المعالجة الثلاثية الذي يجمع بين:
- مثبط مضخة البروتون (PPI) مرتين يومياً.
- أموكسي سيللين 1000 ملغ مرتين يومياً amoxicillin.
- كلاريذرومايسين 500 ملغ مرتين يومياً clarithromycin.
أو ميترونيدازول 500 ملغ مرتين يومياً metronidazole.
- نظام المعالجة الرباعية ويتضمن:
- مثبط مضخة البروتون مرتين يومياً.
- البزموت مضغوطتان أربع مرات يومياً.
- مترونيدازول 500 ملغ 3 مرات يومياً.
- تتراسيكلين 500 ملغ 3 مرات يومياً.
ومن الواضح أن نظام المعالجة الثلاثية أسهل تطبيقاً من قبل المريض، كما أن التأثيرات الجانبية للعلاج كانت ضئيلة ونتائج المعالجة جيدة عموماً مما دعا إلى شيوع استعماله.
تعطى المعالجة مدة 14 يوماً، إلا أن هناك دراسات كثيرة تبين أن العلاج مدة سبعة أيام يكفي للقضاء على الخمج. تختلف نسبة الاستجابة للعلاج من دراسة لأخرى، وتبلغ وسطياً حوالي 80% من الحالات.
ب- معالجة القرحة الناجمة عن استعمال م ا غ س: الخطوة الأولى والأهم في معالجة القرحة المرافقة لاستعمال م ا غ س هي وقف هذا الصنف من العلاج، يضاف إلى ذلك إعطاء أحد مثبطات الإفراز من أي نوع كان، أما إذا لم يكن بالمستطاع إيقاف م ا غ س فإن المعالجة بمثبطات مضخة البروتون هي المفضلة وتؤدي بعد 8 أسابيع من العلاج إلى شفاء القرحة في 80%، مع الإشارة إلى أن استجابة القرحة المعدية للعلاج تكون أبطأ من استجابة القرحة العفجية.
إذا تطلبت حالة المريض استعمال م ا غ س مدة طويلة وجب إعطاء المريض معالجة واقية من حدوث التقرحات الهضمية، وقد تبين أن إعطاء مثبطات مضخة البروتون (PPI) أكثر فائدة من ضادات المستقبلات H2 في الوقاية من قرحات المعدة والعفج وتعادل فائدة (الميزوبروستول) misoprostol في هذا المجال، إلا أن سهولة استعمال مثبطات المضخة وقلة تأثيراتها الجانبية وأمانها كانت السبب في شيوع استعمالها للوقاية من التقرحات الهضمية عند من يتناولون م ا غ س.
كثيراً ما يجتمع عند المريض الواحد الخمج بالملويات البوابية واستعمال م ا غ س. تشير بعض الدراسات إلى أن القضاء على الخمج بالملويات البوابية عند المرضى المقبلين على استعمال م ا غ س ينقص خطر الإصابة بالقرحة لديهم؛ لذلك ينصح بإجراء الاختبارات الضرورية لتشخيص هذا الخمج ومن ثم معالجته عند هذه الفئة من المرضى.
Comments
Post a Comment